إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يُضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ......................
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أما بعد .....................
فإنه لا يخفى على أحد من المسلمين هذه الأزمة العصيبة التى تمر بها الأمة في شتى بقاع الأرض, وقد التهبت واختلطت المشاعر بين حزن وغضب وحماس , وتباينت ردود الأفعال بين المسلمين بشتى طوائفهم كلٌ على قدر علمه و استطاعته . وهذا بوجه عام مبشرٌ بخير.
ولكن يأبى الله إلا أن يجعل هذه الأزمة اختباراً وابتلاءاً للمؤمنين ليظهر الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق . قال الله تعالى " أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّاوَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ " ( العنكبوت /2 ) , وقال تعالى " أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ" ( محمد / 29 ) .
فمع هذه الادعاءات والهتافات , فها هي أحد الاختبارات العملية التي تتعرض لها الأمة فيظهر فيها المحب الصادق الذي يعلم أن حب الإسلامليس كلاماً فقط بل هو طاعةٌ واتباعٌ وانقياد , قال الله تعالى " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ " ( آل عمران / 31 ) .
فمع حلول يوم 21 مارس من كل عام تعلن الأمة احتفالها المزعوم بعيد الأم اتباعاً لهذا العرف العالمي السائد منذ زمن , والمسلمون فيه ما بين مؤيد ومعارض .
فالمؤيدون يقولون أن هذه الأعياد تحمل في طياتها المعاني الجميلة ولا مانع من إقامتها في ديار المسلمين ,والمعارضون يقولون أن هذه الأعياد تحمل في طياتها سهاماً مسمومة تقع في جسد الأمة بما تحمله من بدعية واتباع للكفار.
ونحن هنا ومن هذا المقام نعلن انقيادنا لقوله تعالى " فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ " ( النساء / 59) . وسنقوم بفضل الله بتفنيد هذا الأمر وتوضيحه ليعلم طالب الحق ويُرشَد الضالين لأنوار الهداية بإذن الله .مستعينين في ذلك بكتاب الله والصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلموكلام أهل العلم من السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان .
وقبل أن نبدأ في بيان حكم ذلك الأمر نأصل بأصلين :---
أولاً : عناية الإسلام بالوالدين عامة وبالأم خاصة :-
فعلى سبيل المثال لا الحصرنجد أن الله تعالى في غيرما موضع من القرآن يأمر ببر الوالدين مباشرة بعد الأمر بالتوحيد قال تعالى " وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ... " ( البقرة / 83 ) , قال تعالى :
" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً " ( النساء / 36 ) , قال تعالى : " وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً " وغيرها من الآيات .
وأما من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فأحاديث كثيرة حث فيها النبي صلى الله عليه وسلم على برالوالدين عامة والأم خاصة وحذر تحذيراً شديداً من عقوقهما ,فعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : [ الصلاة على وقتها ] قلت : ثم أي ؟ قال : [ بر الوالدين ] قلت : ثم أي ؟ قال : [ الجهاد في سبيل الله ] ( البخاري ومسلم ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : [ أمك ] قال : ثم من ؟ قال : [ أمك ] قال : ثم من ؟ قال : [ أمك ] قال : ثم من ؟ قال : [ أبوك ] ( البخاري ومسلم ) .
وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ] ثلاثا . قلنا : بلى يا رسول الله قال : [ الإشراك بالله وعقوق الوالدين ] وكان متكئا فجلس فقال : [ ألا وقول الزور وشهادة الزور] فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ( البخاري ومسلم ), وغيرها كثير ( راجع كتاب رياض الصالحين للنووي ).
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم" إلزم رجلها ( أي الأم ) فثم الجنة ٍ" ( صحيح –سنن بن ماجه ) .
ثانياً : بيان مشروعية الأعياد في الإسلام :-
وبدايةً فإن كلمة العيد عند أهل اللغة هو كل يوم فيه جمع , وظن الكثيرون من المسلمين أن الأعياد بمعزل عن الشريعة وأنها لا تمت إلي الإسلام بصلة!!!! وهذا غاية الخطأ .
فإن الأعياد من أعظم شعائر الإسلام ومظهر من أجَلِّ مظاهره , و الدليل علي ذلك ما رواه أحمد وأبوداود بسند صحيح من حديث أنس أنه قال : قدم النبى عليه الصلاة والسلام ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال :( قدمت عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما , يوم النحر ويوم الفطر ) .
وقال شيخ الإسلام بن تيمية " الأعياد من أخص ما تتميز به بين الشرائع ومن أظهر ما لها من الشعائر " ( اقتضاء الصراط المستقيم /191 ) , أي أن من أخص الشعائر الظاهرة التي تتميزبين الشرائع هي الأعياد , وهي أظهر ما تكون في الإسلام.